لقد أنفق الباحث الدكتور Robert Hickling سنوات طويلة في مراقبة الحشرات ورصد الترددات الصوتية التي تطلقها، ولكن لم يكن هناك إمكانية لتأكيد ذلك إلا عندما تمكن من تسجيل الأصوات التي يصدرها النمل! وقد كان الهدف هو تتبع وجود النمل في المحاصيل الزراعية فلم يجدوا طريقة أجدى من تتبع صوت النمل!
ولكن الذي أدهش ذلك العالم أن الترددات الصوتية التي يصدرها النمل تختلف من نملة لأخرى ومن جنس لآخر ومن موقف لآخر! فهناك 12 ألف نوع من النمل في العالم، وعدد النمل على الأرض يفوق عدد البشر بأضعاف مضاعفة، وأمام هذا التعدد يحتار الباحثون كيف يتعاملون مع هذه الأصوات.
لقد تمكن من تسجيل أصوات مختلفة للنمل، ونشرت هذه الأبحاث على مجلة Journal of Sound and Vibration عام 2006، وكانت المرة الأولى التي يسمع فيها الإنسان صوتاً حقيقياً للنمل!
لقد نشر هذا الباحث العديد من الأبحاث وأهمها بحث حول التواصل عند النمل بعنوان Analysis of acoustic communication by ants على مجلة The Journal of the Acoustical Society of America وقد تبين بنتيجة هذه الأبحاث أن النمل يتفوق علينا في حاسة السمع ويتوقع العلماء أن النملة تستخدم قرون الاستشعار من أجل بث واستقبال الترددات الصوتية، تقوم النملة بتضخيم الإشارة الصوتية القادمة إليها مثل أجهزة الاستقبال الحديثة، بل وتقوم بإزالة مختلف التأثيرات أي تقوم بعملية فلترة أو تنقية للصوت، لتمييزه عما سواه! وهذا نظام متطور جداً للاتصال كان مجهولاً للعلماء، ولم يكتشفوه إلا منذ سنوات قليلة، ولكن القرآن العظيم فقد تحدث عن هذا الأمر وأخبرنا أن النمل يتكلم، يقول تعالى: (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) [النمل: 18].
ففي هذه الآية إشارة واضحة إلى وجود لغة للنمل تتفاهم بها، وأن الله أعطى سيدنا سليمان القدرة على سماع هذه الأصوات وفهمها، واليوم يحاول العلماء فهم هذه الإشارات الصوتية التي يطلقها النمل، ولكنهم ميزوا أربعة أنواع من هذه الأصوات، وذلك بعد مراقبة استمرت سنوات طويلة.
يستخدم النمل إشارات صوتية خاصة يطلقها أثناء إحساسه بالخطر، فنجد أن إحدى النملات تتولى مهمة التحذير، فتطلق نداءً تستقبله صديقاتها وتفهمه، وتستجيب له على الفور.
يؤكد العلماء أن النمل يشبهنا، فهو يقوم بأعماله على أكمل وجه، وأثناء العمل يتكلم النمل مع بعضه، ويتحادثون مثل البشر، ونجد أن إحدى النملات تنظم عملية جمع الطعام وتنظم المرور وغير ذلك من خلال أصوات وتعليمات وأوامر تصدرها فتسمعها بقية النملات وتستجيب لها! .
عندما تهاجم النملة إحدى اليرقات فإنها تصدر أصواتاً مرعبة بالنسبة لليرقة، وهذه الأصوات كانت مجهولة تماماً وهي تشبه المعركة التي يخوضها البشر، عندما يحاولون إخافة الأعداء.
لقد وجد الباحث Phil DeVries أن الحشرات تصدر اهتزازات صوتية ضعيفة يستطيع النمل تمييزها، وبالتالي فإن حشرة المن التي تفرز مادة سكرية يحبها النمل، تبث أثناء عملها اهتزازات تلتقطها النملة فتأتي مسرعة لرزقها! وبالتالي فإن الترددات الصوتية هي وسيلة التواصل بين الحشرات، ولذلك قال تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) [الإسراء: 44].
ويقول الباحث Robert Hickling إن النملة لا تتجاوب مع الأصوات الإنسانية ولا تتأثر بها، ولكن عندما نوجه لها الترددات المناسبة فإنها تتأثر بها وترد عليها! وهذا يعني أن النمل يتمتع بلغة خاصة به يتفاهم بها، تماماً مثل البشر، ونتذكر هنا قول الحق تبارك وتعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) [الأنعام: 38]. ومن هنا ندرك أن القرآن يتفق مع العلم الحديث وليس كما يدعي المشككون أنه لا يتفق مع العقل والعلم.
وأخيراً يا أحبتي فإن الذي يتأمل هذه الحقائق لا يملك إلا أن يقول: سبحان الله!